لماذا مرضى السكري يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض تنفسية شديدة؟

اقرأ فكرة الأحد, ديسمبر 31, 2023 الأحد, ديسمبر 31, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: دراسة جديدة تكشف السبب الكامن وراء كون الأشخاص المصابين بمرض السكري أكثر عرضة لتطوير أمراض تنفسية شديدة مع إيجاد الطرق والسبل الممكنة للعلاج.
-A A +A

كان معروفًا منذ عدة قرون أن الأفراد المصابين بمرض السكري (Diabetes Mellitus)  لديهم قابلية أكثر لتطوير أمراض رئوية شديدة عند الإصابة بأمراض تنفسية بسيطة ومعتادة مثل الإنفلونزا (Influenza)، وكذلك الأمراض الناتجة عن الإصابة بالبكتيريا والفطريات.

وعندما بدأت جائحة كوفيد-19 (COVID-19) في أوائل عام 2020، زادت أهمية هذه الفرضية والظاهرة الغامضة، حيث أصبح واضحاً وجلياً لكل شخص أن مرضى السكري يواجهون خطراً مرتفعاً للإصابة بأمراض رئوية شديدة، بل ومميتة، بعد الإصابة بأشكال خطيرة من الفيروس، دون أن يكون هناك أي سبب ظاهري وواضح ومفهوم لدى الأطباء والعلماء، وفي الحقيقة كان حوالي 35% من الأشخاص الذين توفوا بسبب الإصابة بكوفيد-19 خلال الجائحة من المرضى المصابين بمرض السكري.

لماذا مرضى السكري يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض تنفسية شديدة؟

ظلت هذه الظاهرة المقلقة محل بحث ودراسة لدى العلماء والباحثين، إلى أن كشفت مؤخراً دراسات أجراها معهد وايزمان للعلوم (Weizmann Institute of Science) ونُشرت في مجلة "Nature" كيف أن مستويات السكر العالية في دم المصابين بالسكري يمكن أن تؤدي إلى تعطيل وظيفة مجموعات فرعية حيوية من الخلايا في الرئتين والتي تكون مسؤولة عن تنظيم الاستجابة المناعية.

وقد أشارت الدراسة إلى إستراتيجية محتملة لعكس هذه القابلية وإنقاذ المزيد من الأشخاص المصابين بمرض السكري من الإصابة بهذه الأمراض الرئوية الشديدة.

تفاصيل الدراسة

في مختبر البروفيسور إيران إليناف (Eran Elinav) في وايزمان، قاد الدكاترة صموئيل نوبس (Samuel Nobs)، ألكسندرا كولودزيجكزيك (Aleksandra Kolodziejczyk) وصهيب ك. عبدين (Suhaib K. Abdeen) فريقاً من الباحثين قام بإخضاع نماذج متعددة من الفئران المصابة بمرض السكري من النوع 1 و2 لعدوى فيروسية رئوية متنوعة.

فلاحظ الباحثون أنه وبشكل مماثل لما هو الحال في البشر المصابين بمرض السكري، طورت هذه النماذج عدوى رئوية شديدة ومميتة بعد التعرض لمسببات الأمراض الرئوية كالإنفلونزا.

وبمزيد من البحث وجد الباحثون إن الاستجابة المناعية المسؤولة عن القضاء على العدوى وتعزيز شفاء الأنسجة في النماذج غير المصابة بمرض السكري كانت معطلة بشدة في الفئران المصابة بالسكري، مما أدى إلى عدوى غير متحكم فيها وتلف رئوي، وأخيراً الموت.

السعي لمعرفة السبب الكامن وراء ذلك

لفك شفرة الأساس الكامن وراء هذه الخطورة المتزايدة في المصابين بمرضى السكري، أجرى الفريق تقييمًا لتعبير الجينات على مستوى الخلايا الفردية في أكثر من 150,000 خلية رئوية فردية من فئران مصابة وغير مصابة بالسكري. كما أنهم أجروا أيضاً مجموعة واسعة من التجارب التي تتضمن دراسة آليات المناعة والتمثيل الغذائي، بالإضافة إلى تقييم متعمق للتعبير الجيني للخلايا المناعية في الفئران المصابة بالسكري.

اكتشف الباحثون خللًا في بعض الخلايا التغصنية الرئوية (lung dendritic cells) لدى الفئران المصابة بمرض السكري، وهي الخلايا المناعية التي تنسق وتنظم الاستجابة مناعية مستهدفة ضد العدوى المسببة للأمراض.

يقول الدكتور صموئيل نوبس (Samuel Nobs) زميل ما بعد الدكتوراة والمؤلف الأول للدراسة: " إن مستويات السكر العالية في الدم تسبب خللاً شديداً في مجموعات فرعية من الخلايا التغصنية الرئوية، الأمر الذي يمنع الخلايا المناعية هذه (حراس البوابة كمّا سماها) من إرسال الإشارات الجزيئية اللازمة لتنشيط استجابة مناعية مناسبة، ونتيجة لذلك فإن شدة العدوى تزداد، ويخرج عن نطاق السيطرة".

والأهم من ذلك هو اكتشاف العلماء للكيفية التي تعطل بها مستويات السكر العالية في الفئران المصابة بداء السكري الوظيفة الطبيعية للخلايا التغصنية الرئوية أثناء العدوى. حيث وجدوا ان أن التغيرات التي حصلت في استقلاب السكر داخل هذه الخلايا أدى إلى تراكم المنتجات الأيضية الثانوية والتي عطلت بدورها وبشكل ملحوظ التنظيم الطبيعي للتعبير الجيني في هذه الخلايا، والذي نتج عنه إنتاج بروتين مناعي شاذ.

ويقول الدكتور ألكسندرا كولودزيجكزيك (Aleksandra Kolodziejczyk) والذي شارك في قيادة الدراسة كمؤلف مشارك أول معلقاً على هذا: "هذا الأمر قد يفسر سبب اضطراب وظيفة هذه الخلايا في مرضى السكري، وعجز الجهاز المناعي عن توليد دفاع فعّال ضد العدوى".

محاولة إيجاد علاج مناسب للوقاية من ذلك

بعد ذلك حاول الباحثون اكتشاف طرق وأساليب تساعدهم على منع الآثار الضارة المترتبة على ارتفاع مستويات السكر في الخلايا التغصنية الرئوية بهدف تقليل خطر الإصابة بالعدوى في الحيوانات المصابة بمرض السكري.

في الحقيقة فإن السيطرة الكاملة و التحكم الدقيق بمستويات السكر في الدم عن طريق تناول مكملات الأنسولين أدى إلى استعادة الخلايا التغصنية الرئوية لقدراتها على توليد استجابة مناعية وقائية كافية لمنع سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى عدوى فيروسية رئوية خطيرة تهدد الحياة. ولكن بدلاً من ذلك جرب الباحثون إعطاء جزيئات صغيرة لعكس الخلل التنظيمي الجيني الناجم عن ارتفاع مستويات السكر، فلاحظوا أنها أدت إلى تصحيح الخلل الوظيفي للخلايا التغصنية الرئوية وتمكينها من توليد استجابة مناعية وقائية كافية، وذلك على الرغم من استمرار وجود مستويات عالية من السكر في الدم.

يقول الدكتور صهيب ك. عبدين (Suhaib K. Abdeen) أحد كبار المتدربين الذي شاركوا في الإشراف على الدراسة: (إن التحكم بمستويات السكر في الدم أو استخدام أدوية وجزيئات لعكس الضعف التنظيمي الجيني الناجم عن ارتفاع مستويات السكر مكَّن فريقنا البحثي من إعادة وظيفة الخلايا التغصنية الرئوية إلى وضعها الطبيعي، وهذا أمر مثير حقاً، لأنه يعني أنه قد يكون من الممكن منع الخطر الزائد في مرضى السكري للإصابة بالالتهابات الرئوية الفيروسية الشديدة وعواقبها المدمرة).

ومع تأثر أكثر من 500 مليون شخص حول العالم بمرض السكري، ووجود توقعات ارتفاع معدلات الإصابة في العقود القادمة، تحمل هذه الأبحاث الجديدة تداعيات سريرية مهمة وواعدة.

 

هذه الدراسة تقدم لأول مرة تفسيراً علمياً متوقعاً للسبب الكامن وراء الخطورة المتزايدة في مرضى السكري لتطوير أمراض والتهابات رئوية شديدة ومميتة عند الإصابة بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية أو الفطرية. كما أنها أظهرت إمكانية تقليل هذا الخطر عن طريق التحكم بمستويات السكر في الدم بشكل دقيق، أو عن طريق تناول أدوية جزيئية صغيرة

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

الاشتراك في القائمة البريدية

يمكنك الانضمام إلى قائمة أصدقاء اقرأ فكرة ليصلك إشعار بكل ما يتم نشره من مواضيع الثقافة الصحية.

https://www.iqraafikra.com/